أما وصيته التي أوصاه بها في نفسه فقال له: {
اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن} وهذه وصية في المعاملة وفي الجانب الإداري، وفي الجانب الشخصي: {
اتق الله حيثما كنت } أميراً أو مأموراً، حيث ما كان موقعك أو وظيفتك أو عملك، وهذه وصية جامعة مانعة، والجملة الأولى: {
اتق الله حيثما كنت } وضح بها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لـ
معاذ ولنا جميعاً كيف نتعامل مع الله بالتقوى.
وكيف نتعامل مع أنفسنا، قال: {
وأتبع السيئة الحسنة تمحها } فالنفس هذه لوامة مذنبة خاطئة، ودائماً لو أطعتها لأوردتك الموارد والمهالك، فكلما عصت الله، وكلما ارتكبت السيئة فأتبعها حسنة تمحها، واجعل من نفسك رقيباً عليها، وحاسب نفسك قبل أن تحاسب، وزن أعمالك قبل أن توزن، وتزود للعرض الأكبر بين يدي الله تبارك وتعالى.
فإذا أخطأت خطيئة فأتبعها حسنة: ((
إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ))[هود:114].
ثم قال له: {
وخالق الناس بخلق حسن } وهي في كيفية التعامل مع الناس بالأخلاق الحسنة، فبين النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في هذا الحديث الجامع المانع،وفي هذه الوصية لـ
معاذ رضي الله عنه عند ذهابه إلى
اليمن، كيف يتعامل مع الله، وكيف يتعامل مع نفسه وهواه، وكيف يتعامل مع الناس، ثم أوصاه بالوصية التي هي موضوع درسنا، وهي بالنسبة لذهابه إلى
اليمن.
و
اليمن أرض مباركة طيبة، والله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فضّل أهل
اليمن بقبول البشرى من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلما قدموا إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مع الوفود، وجاء وفد بني تميم، قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {
اقبلوا البشرى يا بني تميم! قال بنو تميم: قد بشرتنا فأعطنا} فهم جاءوا يريدون العطاء، ومعنى كلامهم: نحن نعرف الذي عندك، تريد أن تقول: اتقوا الله، والجنة والنار... هذا معروف، لكن نحن نريد دراهم! وهذا كحال كثير من الناس اليوم، الذين يقدمون ويحبون العاجلة، ويؤثرون الحياة الدنيا على البشرى والخير والفائدة، وعلى الكنز الذي لا يفنى عند الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وهو النعيم الدائم.
قالوا: {
قد بشرتنا فأعطنا، قال: اقبلوا البشرى يا أهل اليمن! قالوا: قبلنا يا رسول الله} فقبلوا وجلسوا إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وفي حديث آخر وهو حديث
عمران بن حصين رضي الله عنه الذي له مجال غير هذا المجال.
فالمقصود أن هؤلاء القوم قدموا وأذعنوا وآمنوا من غير جهاد، فدخلوا في الإسلام طواعية، وآمنوا بهذا الدين، وأراد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يرسل إليهم من يعلمهم، ومن يفقههم، فأرسل
معاذاً رضي الله عنه.